باحثون يدعون إلى إعادة النظر في "المرجعيات" الاجتماعية والوطنية
حمّل باحثون اجتماعيين الأنظمة العربية مسؤولية فشلها في ربط الشباب بالواقع العرب و السياسي داعين إلى إعادة النظر في المرجعيات الاجتماعية و الوطنية لكل مجتمع و ضبط مفهومها و تحديد أهدافها لاسيما و هذه الأخيرة أصبحت تحتل المرتبة الأخيرة
بدار "الإمام" نظمت مديرية الشؤون الدينية و الأوقاف لولاية قسنطينة أمس يوميين دراسيين حول "منظومة القيم" و طفل المدارس القرآنية، و هو لقاء موجه لمعلمي المؤسسات التربوية ومعلمات المدارس القرآنية لتحسيسهم و توعيتهم في كيفية غرس القيم لدى الطفل ، كما هو موجه كذلك للشباب في الحياة اليومية لاسيما و هذا الأخير يعيش واقعا مليئا بالتناقضات، قدم فيه باحثون اجتماعيون و مستشارو التوجيه المدرسي بمديرية التربية لولاية قسنطينة، محاضرات حول منظومة القيم و دورها في المجتمع ، حيث تطرق المحاضرون إلى مفهوم "القيم" في معناها اللغوي و الاصطلاحي ، أنواع القيم ( دينية ، وطنية ، أخلاقية ، جمالية، اقتصادية و سياسية ..الخ)، و عرّف الباحثون الاجتماعيون "القيم" على أنها مجموعة المعتقدات التي يحملها الفرد و أوجه النشاط المختلفة التي تحدد سلوكه المقبول والمرفوض، و هذه القيم تبقى "نسبية" لأن المجتمع يطرح في سلوكاته و أفكاره مجموعة من القيم المتضاربة..
و أول الشروط التي لابد من توفرها لغرس القيم لدى الفرد ذكر المحاضرون شرط "الرغبة" التي تكون نابعة من القناعة، و توفر المناخ الملائم لغرسها أي البيئة المناسبة لها و الاستمرار عليها، كذلك التدرج في " تسويق" هذه القيم و تشويق الأمم الأخرى في اكتسابها والتقيد بها، وإن كانت "القـُدْوَة" هي الشرط الثاني و الضروري لغرس القيم لدى الطفل و الشباب ، فإن هذا الشرط حسب الباحثين يستلزم العودة إلى السلف الماضي، وهذا ما لم يتكيف معه المجتمع المسلم الذي يبحث دائما عن الملموس..
هذه الشروط يقول الباحثون تمثل إحدى المعوقات التي تواجه المربي في غرس القيم، لأن المفاهيم و الاتجاهات "خاطئة "، فالشخص ( المُرَبِّي أو المُعَلــّم) الذي يتحدث عن الصدق مثلا و لا يكون صادقا في أقواله و يأتي بسلوكات خارج القيم أمام الطفل أو التلميذ أو المعلم الذي يعلم التلاميذ كيفية الصلاة و هو لا يصلي تعتبر عائق في تبليغ الرسالة، الأسباب أرجعها الباحثون إلى كون مصادر هذه القيم و التي تتمثل في (القرآن، السنة، العرف، الأمم السابقة) أصبحت بعيدة كل البعد عن الواقع، أمام التطور الملحوظ الذي يشهده المجتمع العربي المسلم، و انفتاح المجتمع على مختلف التيارات الثقافية، الحضارية، الدينية، و الإعلامية و غيرها، و ظهور ما يسمى بـالعائلة "النووية" وهي عوامل عرقلت هذه العملية المقدسة، و أدخلت المجتمع في صراعات لا حدود لها..
أكدت دراسة أجريت من قبل باحثين تربويين و مفتشي التوجيه المدرسي بولاية قسنطينة أن القيم الاجتماعية و الوطنية تحتل المرتبة الأخيرة في حين تحتل القيم الدينية الصدارة و حتى هذه الأخيرة بدأت تعرف نوعا من التراجع بسبب التناقضات التي يعيشها الطفل و الشباب على الخصوص، فقد أسفرت نتائج الدراسة على وجود 19 قيمة دينية، 09 قيم شخصية، قيمتنا أسريتان، و أكدت الدراسة أن القيم الدينية تحتل الصدارة من حيث تواجدها في المضامين المدرسية، في حين تحتل القيم الاجتماعية و القيم الوطنية المرتبة الأخيرة و تكاد تكون هذه القيم منعدمة في البرامج المدرسية عند الأطفال، و هذا ما يفسر الواقع الاجتماعي للمجتمع، بدليل أن شريحة كبيرة من الشباب أصبحت لا تهتم بتاريخ بلدها و ثورته و قيمها الوطنية ككل..
و انتقد المحاضرون مؤسسات التنشئة الاجتماعية ( الأسرة، المسجد، المدرسة..)، التي أوكلت لها هذه المهمة منذ المراحل الأولى من حياة الطفل في تقاعسها و غياب تكاملها تجاه هذه المهمة التي جعلت الطفل و المراهق و الشاب يشعر بالتوتر و الاضطراب، و ، هذه الظاهرة المأساوية جعلت المنظومة التربوية تعيش حالة من اللا استقرار مما فتح الأبواب للتيارات الغربية من فرض هيمنتها في الحياة اليومية، و قد ساهمت التكنولوجية في نشر هذه الأفكار و محو هذه القيم وزرع قيم أخرى لا تتماشى مع تقاليد المجتمع العربي المسلم و معتقداته الدينية، و ساهمت كذلك في تمييع الحقوق السياسية، الثقافية، الفكرية و الأخلاقية بين مختلف الشعوب و الحضارات، و خلق ما يسمى بتصادم الثقافات و تصادم الحضارات، و صل الأمر إلى حد منع المآذن، و الحجاب و النقاب..
المحاضرون أرجعوا هذه الصراعات إلى تقلص دور الدولة في تقديم خدماتها للشباب المسلم وهذا بسبب الصراعات السياسية، التي جعلت الشعب يعيش القطيعة، و كذلك بالنسبة للأنظمة العربية، فقد فشلت هذه الأخيرة في ربط الشباب بواقعه العربي و السياسي و جعلته كذلك مغيب عن دوره الطلائعي في المجتمع ، كما أن تصارع " الأدوار" و خضوع الطفل أو الشاب لمجموعة من الضوابط، انتهى بهم الأمر البحث عن البدائل، و هي الهروب عن طريق الهجرة السرية، أو تعاطي المخدرات، ومن الحلول التي اقترحها المحاضرون إعادة النظر في المرجعيات الدينية و الوطنية ، و إعادة النظر في البيئة المسجدية..