بضع ساعات كانت كافية لقلب الموقف في قمة الدوحة حول غزة من حال إلى حال.. جرأة سياسية قطرية ومرونة في التنظيم, أبعدتا شبح الجدل المستمر إزاء اكتمال نصاب قمة طارئة برعاية عربية أو بقائه معلقا، وسلطتا الأضواء بدلا من ذلك على جرح غزة النازف, وأولئك القادمين للحديث باسمهم.
حتى العاشرة من صباح اليوم كان محور الحدث في الدوحة هو: هل يكتمل نصاب الدول العربية الـ15 الكفيل بجعل اللقاء قمة عربية طارئة وفقا للوائح الجامعة العربية، أم تتحول إلى "قمة بمن حضر" لتدرج وفق القوانين إياها في سياق "اللقاءات التشاورية" الملزمة لأصحابها حصرا؟
وسرعان ما اتضح من الملصقات المعلقة على جدران القاعة الرئيسية أن اللقاء بات يحمل اسم "قمة غزة الطارئة"، أي أن أصحاب المأساة باتوا محور الاهتمام.
وشمل التحول تنظيم الجلسات, حيث ألغيت الجلسة المغلقة المقررة في جدول الأعمال السابق لتعقد مكانها جلسة مفتوحة تتناسب على الأرجح مع توق أهل غزة والعالم للتعرف على المواقف والآراء.
وتوالت المفاجآت إذ حضر الرئيسان الإيراني محمود أحمدي نجاد والسنغالي عبد الله واد، وممثلان رفيعان لتركيا وإندونيسيا كمراقبين إلى جانب رؤساء الجزائر, والسودان, وسوريا، ولبنان, وجزر القمر ورئيس مجلس موريتانيا الحاكم وأمير الدولة المضيفة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. وعضد التمثيل العربي الرفيع شخصيات بارزة كطارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي ومسؤولين من عُمان وليبيا والمغرب وجيبوتي.
غير أن كبرى المفاجآت تمثلت في قدوم وفد من التنظيمات الفلسطينية الحاضنة للمقاومة في غزة والمقيمة في دمشق، وفي شكل التعامل البروتوكولي مع حضورهم.
فعلى مستوى مواز لمقعدي الرئيسين الإيراني والسنغالي وضعت مقاعد الفصائل وتصدرها ثلاثة: رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خالد مشعل, وعلى يمينه الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين –القيادة العامة أحمد جبريل، وإلى يسار مشعل جلس الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان شلح. وجلس خلف الثلاثة قادة جبهة التحرير الفلسطينية وحركة فتح الانتفاضة وآخرون.
حضور وفد الفصائل سلط الضوء تلقائيا على غياب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. واستباقا للقراءات المنطقية لهذا الغياب في قمة مخصصة لشد أزر جزء عزيز من شعبه, تطرق أمير قطر إلى محمود عباس في كلمته بقوله "حبذا لو شارك أبو مازن (في القمة) لمناقشة وضع شعبه, لكنه آثر عدم الحضور".
عتب أمير قطر على غياب محمود عباس سبقه شكر الحاضرين والتنويه إلى أن في قدومهم إدراكا لحقائق وأبعاد المجزرة التي تديرها إسرائيل في غزة.
وبدون أن تدور الكاميرات لتعرض مشاهد المقاعد الفارغة, خاطب الأمير القادة الغائبين عن قمة غزة بقول مفاده بأنه كان بوده لو كان الرؤساء العرب (الغائبون) موجودين في هذه القاعة لتدارس الوضع "حتى لو كان لهم رأي آخر في قمة تعقد لهذه الغاية".
الموقف القطري لخص شعور الغيرة على الدم المسفوح في غزة والسعي لنجدتها, رغم تحفظات القادة العرب المصرين على حصر الحديث في مأساتها في قمة الرياض الإقليمية ونظيرتها في الكويت المخصصة أصلا لهموم الاقتصاد.