أســــرار و حقائـق تاريخية (01)
( 1000 مجاهد جزائري كانوا ضحية الحرب بين جيش الحدود و مجاهدي الداخل)
بدعم من بن بلة أراد الماركسيون تحويل الجزائر إلى قاعدة الثورة الشيوعية العالمية
يكشف الدكتور رابح لونيسي في كتابه الجديد صدرت طبعته الأولى في 2009 الأسباب الحقيقية التي دفعت بـ: بن بلة إلى إبعاد زملاء الكفاح عن شخص الرئيس المصر جمال عبد الناصر، عندما كانوا في مصر، ومن بين الذين أبعدهم بن بلة نجد محمد خيضر أن هذا الأخير كان ينتمي إلى جماعة "الإخوان المسلمين" المعادية لجمال عبد الناصر، و صور آيت أحمد بأنه ذو نزعة بربرية معادية للعرب و العروبة، و من خلال ملامحه النفسية كان بن بلة يجمع خليط إيديولوجي و يمكن القول انه عربي شيوعي، الأمر الذي دفع فرحات عباس إلى القول أن بن بلة كان يجمع الإسلام و الشيوعية، و كان لهذا الخليط تأثيرا على مسار الدولة الجزائرية نتيجة الجمع بين المبادئ الإسلامية و الأفكار الماركسية، و يتصف بن بلة بـ: "الماكيافيلية" فتجده يغير أصله عندما تتعلق الأمور بمصلحته، فتارة يقول أنه أمازيغي و ذو نزعة أمازيغية، و أخرى يغازل الإسلاميين كوسيلة لأخذ السلطة، لدرجة أنه لم يهمه أن يقتل مجاهدي الداخل على يد قوات جيش الحدود، و تجنيد الجيش الوطني الشعبي في حملة شرسة ضد منطقة القبائل في عام 1963، كذلك إصراره على إعدام محمد شعباني و إلقاء القبض على محمد بوضياف و نفيه في غياهب الصحراء..
و يُسَجَلُ على بن بلة حسب ما جاء في الكتاب تسييره الفوضوي للبلاد، فتجده يتخذ القرارات دون دراسة معمقة للقضية، و يعيق احمد بن بلة تصفيق الجماهير عندما يخطب عليهم، و يؤكد المؤلف أن زعامة بن بلة الثورية كانت بفعل الدعم المصري له و من أجل البقاء في السلطة دخل بن بلة في صراع مع عبان رمضان الذي فرضته الظروف و الكفاءة كقائد أعلى للثورة فازداد حقده عليه، و كادت الثورة أن تنفجر بسبب هذه الصراعات خاصة بعد صراع عبان رمضان و كريم بلقاسم ، و انتهت هذه الصراعات باغتيال عبان رمضان في المغرب على أيدي الباءات الثلاثة و هم( كريم بلقاسم، عبد الحفيظ بوصوف لخضر بن طوبال) بمساعدة عمر اوعمران زو محمود شريف، و أصبح الباءات الثلاثة الآمرون و الناهون داخل الثورة ..
و في مؤتمر 1960 للمجلس الوطني للثورة عين الرئيس هواري بومدين قائدا للثورة و دخل في صراع مع الحكومة المؤقتة للجمهورية بقيادة بن يوسف بن خدة، يقول رابح لونيسي أن بومدين بما أنه لم يكن له ماضي نضالي و ثوري كبير في الحركة الوطنية و حتى داخل الثورة ذاته فكر في إقامة نظام يتحكم فيها الجيش في جزائر ما بعد الاستقلال فتحالف مع بن بلة للصعود سويا إلى السلطة، وبدأت لمناورات بظهور ما عرف بمجموعة "وجدة" لأخذ السلطة حتى لو كانت على حساب مستقبل الثورة و الجزائر، فخططا سويا لإبعاد كريم بلقاسم من أي منصب في مؤتمر طرابلس، باعتباره أقدم مجاهد ، كان في الجبل منذ 1947، كما تم الكشف عن ميلاد مجموعة تلمسان و مجموعة تيزي وزو و الحرب التي وقعت بين جيش الحدود و مجاهدي الداخل قتل فيها أكثر من 1000 مجاهد فيها، و تمكن كل من بن بلة و بمدين من الإستلاء على السلطة عام 1962 بعدما سمحت السلطات الفرنسية للهيئة التنفيذية المؤقتة بصرف ما مقداره 15 مليار فرنك قديم لصالح تحالف بن بلة و بمدين في الوقت الذي رفض بن خدة أي دعم أجنبي عليه..
كان بن بلة حسب المؤلف يستخدم محمد خميستي مدير ديوان رئيس هذه الهيئة لإضعافها و إقناع رئيسها عبد الرحمن فارس بالاعتراف بسلطة المكتب السياسي في تلمسان، كما أن بروز المسألة القبائلية كانت بتشجيع من بن بلة من أجل طمس دورهم في تحرير الجزائر، و كان يفضل ا، تكون الجزائر فرنسية على أن تكون أمازيغية، و أن تكون مفتتة إلى مجموعات أمازيغية متصارعة بدل جزائر موحدة لا تتنكر لتاريخها و جذورها الأمازيغية..
في ظل هذه السياسة اللامسؤولة أصبحت الوحدة الوطنية مهددة، و تحدد هذه المذكرة ان ماسات الجزائر اليوم تعود إلى ما وقع عام 1962..
و لما ازداد نفوذ الرئيس هواري بومدين انقلب عليه بن بلة و حاول التخلص منه، فشكل قوة عسكرية موازية للجيش الوطني الشعبي تابعة لحزب (جبهة التحرير الوطني) كانت على شكل "ميليشيات" شعبية، و كلف بن بلة محمود قنز ضابط من الأوراس بقيادتها، و لم يكن بن بلة يدري أن قنز كان من أقرب الناس إلى بومدين ، و لما فشل مخططه في إبعاد بومدين عن الساحة، أنشأ بن بلة بدعم مصري مخابرات موازية لبومدين، و دخلا الطرفان في صراع بسبب رفض بومدين تدخل الحزب في الجيش، كما قام بن بلة بتعيين الرائد الطاهر زبيري قائدا لأركان الجيش دون استشارة بومدين للتخلص منه، و أدت الأمور بالإطاحة ببن بلة في عام 1965، و في هذه السنة أحاط بن بل نفسه بنواة ماركسية و هم: ( المؤرخ التروتسكي محمد حربي، حسين زهوان، عبد العزيز زردان، صالح لوانشي، رابح بوعزيز، محمد السعيد معزوزي، علي زعموم و عمر بن محجوب) من أجل بناء جبهة التحرير الوطني كحزب طلائعي، انتهت بإبعاد أمينه العام محمد خيدر و نفيه إلى الخارج..
و يكشف الكتاب كيف اعتمد الرئيس أحمد بن بلة على مستشارين أجانب في تسيير البلاد و منهم (إرفيه بورج) مدير مكتب وزير العدل الفرنسي الذي عينه مستشارا في شؤون ألإعلام و الشباب، و معروف عن هذا ألأخير أنه "ديغولي" أدى الخدمة العسكرية في الجزائر بنواحي سطيف، و كان اغلب المستشارين الأجانب ينتمون إلى الأممية الرابعة أي " تروتسكيين" و على رأسهم زعيمهم اليوناني (ميشال رابتيس) المدعو بابلو و يُسَمّون بـ: "الأقدام الحمراء"، و قد اقنع بابلو بن بلة بمبدأ التسيير الذاتي للمؤسسات بعدما جاء بزملائه و تولوا الكثير من المناصب و المسؤوليات، ولم يتمكن هواري بومدين من التخلص منهم لأنهم استحوذوا على الأجهزة الحساسة، و بدعم من بن بلة أراد الماركسيون تحويل الجزائر إلى قاعدة الثورة الشيوعية العالمية، الانحراف الثاني يقول مؤلف الكتاب هو أن الدستور الجزائري وُضِعَ من قبل "مجهولين" و لم يختارهم الشعب و لا يمثلونه و هذا حسب الكاتب لخدمة مصالح ضيقة، أي مجموعة معينة في السلطة، و هذا ما دفع برئيس المجلس فرحات عباس إلى الاستقالة من المجلس الوطني التأسيسي، و من هذا المنطلق بقول الكاتب ان الدساتير الجزائرية التي تأسست هي غير شرعية..
يتبع ..
"شخصية هواري بومدين" من خلال كتاب رؤساء الجزائر في ميزان التاريخ