استعاد بومنجل بولسنان الذي كان مراقب الحزب لمنطقة الواحات من 1968 إلى غاية 1978 وكان يرافق الرئيس بومدين كلما تنقل إلى الجنوب ويحضر عنه اجتماعات الحزب· ومن بين الذكريات التي بقيت راسخة في ذهنه تلك التي حضرها بمناسبة وفاة والد الرئيس هواري بومدين· ذهب إلى فالمة ليحضر جنازة والده واغتنم شقيقه الفرصة لينتقد الدولة، إلى حد أن أغضب ''الهواري'' الذي دخل في غضب كبير· ''الرجل لا يقبل أن يقال كلام سيء عن الجزائر حتى وإن كان صاحب الكلام أخوه''·
يواصل بولسنان حكاياته على محمد بوخروبة ويتذكر حادثة وقعت في حاسي مسعود ''كنا جالسين حول طاولة وكان معنا العقيد معمر القذافي، هذا الأخير ارتكب حماقة عندما سأل بومدين عن الرئيس الموريتاني مختار ولد الدادا الذي كانت علاقته معه باردة وأدار ظهره للجزائر رغم المساعدات التي قدمتها له الجزائر، وكان رد بومدين كالعادة·· قاتلا· وكان الرئيس بومدين يقول بخصوص الصحافة الأجنبية ''عندما تمدحني الصحافة الغربية والأمريكية في تلك الليلة لا أنام وأبقى أفكر دون انقطاع وأقول ربما خنت شعبي أو بلدي، بالعكس أسعد دائما عندما تنتقدني هذه الصحافة''· من بين الشخصيات التي حضرت بشهاداتها بجريدة المجاهد كان أيضا جلول ملايكة وعبد الرزاق بوحارة الذي كان سفير الجزائر في الفيتنام في السبعينيات من القرن الماضي· وقال هذا الأخير إنه ذات مرة سئل القائد الغيني أميلكا كابران عن الجزائر التي يلجأ إليها عدد من ثوار العالم على غرار نيلسون مانديلا وميغوال أوريس أو ثور البرتغال، قال ''المسيحيون يحجون إلى الفاتيكان والمسلمون إلى مكة، أما الثوار فهم يحجون إلى الجزائر''· قبل أن يضيف بوحارة أن الصراع سنة 1973 كان في أشجه بين بومدين قائد العالم الثالث وهنري كيسنجر ممثل النظام العالمي المهيمن·
أحد الصحفيين الذين حاوروا مراسل جريدة ''لوموند'' الفرنسية، بول بالطا، الذي يعتبر من أصدقاء الرئيس ومن الأشخاص القليلين الذين يتحدث إليهم بومدين بكل راحة·
يقول بالطا في إجابته على سؤال الصحفي حول المال ووجهة نظر بومدين فيه، كان بومدين رجلا ذا قناعات قوية، بالنسبة له أموال الدولة هي أموال الشعب ولا يمكن سلبه، بهذه القناعة كان يتصرف تجاه المال منذ البداية· في ذات مرة وزع منشور كُتب فيه أن للرئيس حساب بنكي في الخارج وكان رد فعله ''عندما يفتح رئيس دولة حسابا له في الخارج معناه أن لديه نية المغادرة وأنا ليست لديّ النية بتاتا في ذلك''· و طوال المدة التي كان فيها رئيسا للبلاد كان يتكل فقط على أجرته الشهرية، وكان يحرم نفسه من كل الملذات· وعندما يسافر إلى الخارج لن يعود وفي حقيبته أشياء ثمينة عكس بعض رؤساء الدول العربية، و كان دائما يعتقد أنه كسب سيارة من نوع ''المرسيدس'' أو ''رولس رويس'' هو تبذير للمال، وقد حدث أن أهداه أحد ملوك الخليج سيارة فاخرة لكنه لم يستعملها أبدا· وعند وفاته استغرب الجميع عندما اكتشفوا أن الرجل لا يملك لا كنزا ولا فيلات فاخرة بل عثروا فقط على حساب جاري بمبلغ ستة آلاف دينار·
وفي سؤال آخر لبول بالطا حول الرشوة التي نخرت جسد الدولة في تلك الفترة وعدم قدرة الرئيس على محاربتها، يقول الصحفي الفرنسي فعلا صرف النظر على تصرفات بعض رفاقه وعندما طرحت عليه نفس السؤال أجابني ''كنت أود أن أعزلهم لكن لم أجد مسيرين آخرين لتعويضهم''· واتضح من بعد أنه كان يحضّر لعزل كل المسؤولين المتورطين في الفساد بمناسبة مؤتمر الحزب، وكان عددا من أعضاء مجلس الثورة متورطين في الفساد·
وعن كيفية تعامله مع عائلته، وإن كان يتساهل معها بخصوص الامتيازات، قال بالط ''كان دائما يتفادى الحديث عن حياته الشخصسة لكنه كان جد مرتبط بوالدته وكان يمنح جزءا من راتبه الشهري لها لتقتني حاجياتها اليومية· وروى لي بعض الشهود أنه ذات مرة دخل في شجار معها في أعالي غابة الشريعة، والسبب أنها طلبت منه أن يعفي شقيقه سعيد من أداء الخدمة الوطنية وبطبيعة الحال الرئيس قابِل الطلب بالرفض· هددته والدته بالشكوى لدى الحكومة وقال له ''تشتكين إلى الحكومة لكن الكلمة تعود إليّ، وغادر غابة الشريعة غاضبا، شقيقه أدى الخدمة الوطنية في نفس الظروف مع بقية الشباب·
وكان الرئيس حريص جدا فيما يخص استغلال اسمه أو منصبه من طرف عائلته أو أقربائه للحصول على امتيازات وتسهيلات من طرف الإدارة العمومية· حدث وأن لجأ عمّه إلى أحد الولاة للحصول على امتيازات، وصل الخبر إلى الرئيس فأرسل في الحين مبعوثا إلى الوالي وهدده في حالة ما إذا قبِل طلب عمّ الرئيس· نفس الحادثة وقعت مع اسماعيل حمداني الذي كان يشغل منصب نائب الأمين العام بالرئاسة، حيث طلب منه شقيق الرئيس أن يمنحه امتيازات وكان موقف بومدين كالعادة وقال في وجه حمداني ''إحذر، هناك خط أحمر بين المشاكل العائلية وشؤون الدولة ممنوع تخطيه''·
تلكم هي بعض الذكريات التي تحكى عن مسار الرئيس الراحل هواري بومدين أو محمد بوخروبة اسمه الحقيقي·