نوعية" التعليم مفتاح لتنمية قدرات" التلميذ" و آفاقه المستقبلية
إن نوعية التعليم لا تعني عند خبراء التربية نقل معلومات معينة من المعلم إلى التلاميذ بل في طريقة الحديث و التصرف معهم و ما هي المفاهيم و القيم التي ينبغي أن تنقل للتلاميذ، فهي أكثر أهمية من المعلمات ذاتها في تقدير نجاح التلميذ في الحياة، إذ أن رسوب التلاميذ قد يعود إلى سوء تصرف المعلم معه و سوء فهمه أو التقليل من شأنه لفروقات اجتماعية ( الفقر مثلا) دون الاهتمام بعامل الذكاء أو قدراته على الفهم و المشاركة داخل القسم
لم تظهر المدرسة كوسط أخلاقي منظم و لم يكن بإمكانها أن تظهر حسب التعبير الاجتماعي إلا في فترة محددة من الحضارة الإنسانية، حيث كشفت الدراسات السوسيوتاريخية، أسباب ظهور المدرسة في تلقين القيم و الأفكار و الإحساسات، و كيف تحولت التربية إلى تنشئة اجتماعية تسير على منهاج معين، و أصبحت هناك علاقة وطيدة تربط المدرسة و الطفل و التنشئة الاجتماعي، في المسار التاريخي لعملية التمدرس و تعلم القراءة و الكتابة ومرور الطفل من الشفاهي إلى الكتابي ، بحيث لا تقوم عملية التنشئة إلى في وسط اجتماعي، و قد أجمع العلماء أن تنشئة الطفل تبدأ منذ بداية مراحل حياته أي في الأسرة ثم الروضة و أخيرا المدرسة، التي فيها يتحقق التطور التربوي البيداغوجي، غير أن هذا الأخير لا يتحقق إلا بإزالة الفروقات العائلية و العشائرية داخل المؤسسات التربوية، و محاربة حكم المنفعة القائم على المحسوبية و تبادل الخدمات و استبدالها بالفروقات الفكرية التي تعتبر مصدرا للنماء و قوة المجتمع بكامله.. خاصة بعد ظهور المدارس "الخاصة" الموجهة للعائلات الثرية، و هذه المدارس حسب الملاحظين التربويين تشعر التلميذ الذي يتابع الدراسة في المدارس العمومية بالإهانة و تجعله يحتقر نفسه و ربما يصب لعنته على والدية اللذان لم يوفرا له إمكانيات التمدرس بسبب فقرهما..
ولا تتحقق هذه المطالب النبيلة إلا إذا آمن كل منا بالتربية و فهم قواها الكامنة خاصة و أن أعداد التلاميذ يزداد ازديادا واسعا سنة بعد أخرى، و إذا أخذنا أرقام السنة الدراسية الجديدة 2009/2010 ، التي قدمها عبد الله علام مدير التربية لولاية قسنطينة خلال الدخول المدرسي أن عدد التلاميذ الجدد في الطور الابتدائي وصل حدود الـ: 100 ألف تلميذ، 11 ألف تلميذ في الأقسام التحضيرية 80207 تلميذ في الطور المتوسط، و حوالي 40 ألف تلميذ في الطور الثانوي، يتابعون دراستهم في 525 مؤسسة تربوية للأطوار الثلاثة يؤطرهم حوالي 10 آلاف أستاذ و معلم للأطوار الثلاثة كذلك، و استفاد على منحة التمدرس حوالي 84 ألف تلميذ في الطور الابتدائي بقيمة مالية تقارب 26 مليار سنتيم، و أمام هذه الأرقام نلاحظ أن التعليم لم يعد يقتصر على فئة معينة من الناس مثلما كان في وقت الاستعمار بل أصبح منتشرا بين أعداد متزايدة من الناس، غير أن الإشكال المطروح يتعلق بنوعية التعليم على مستوى المؤسسات التربوية و وجوب التركيز على هذه الأخيرة أي النوعية ، لأن التعليم في هذه المرحلة بالذات يعد من أخطر المراحل التي يمر بها "المعلم" لأنه يتعامل مع " عجينة" لم تتشكل بعد، و لهذا فكرت الدولة الجزائرية في انتهاج سياسة خاصة و وضعت إستراتيجية من اجل التحكم في هذه العجينة، و هذا بإنشاء الأقسام "التحضيرية" داخل المؤسسات التربوية، و كذا المدارس "القرآنية" على مستوى كل مسجد، و قد تمكنت هذه المرافق في ظرف قصير جدا من أن تأخذ لها مكانة في الساحة التربوية و القفز على رياض "الأطفال"..
فالطفل يمر بمراحل عديدة في تكوين شخصيته بدءًا من الماقبل المدرسة، أي الروضة أو المدرسة القرآنية التي يكتسب فيها الطفل الأساسيات من الكتابة و القراءة و حفظ بعض التعاليم الدينية و آداب التعامل مع الآخر، إلى غاية دخوله المدرسة، وتلعب المدرسة باعتبارها نظام يتهيأ فيه الطفل ليحتل مكانته في المجتمع، كما تلعب المدرسة دورا كبيرا في تنمية القدرات المعرفية للطفل، و إعداده فكريا، يقول خبراء التربية أن البحث في نوعية التعليم التي تقدمها المؤسسات التربوية من أصعب الأمور و يقصدون بذلك بنوعية التعليم " جودته" و هذا يعني الصدق في تقديم المادة التربوية في شكلها الخام إلى التلاميذ، و يحصر خبراء التربية نوعية التعليم و جودته في ثلاث زوايا هي : المعلم، المنهاج و الكتاب المدرسي.
أولا : المعلم
رغم الجهود التي تبذلها الدولة إلا أن قطاع التربية ما يزال يفتقر إلى "دراسات" بيداغوجية من هذا النوع و التي تحيط بالمعلم و التلميذ و كيفية التواصل بينهما و مدى تأثير المعلم في عقل التلميذ و عواطفه، و يكفي أن نلفي نظرة داخل المؤسسات التربوية لنشاهد مظاهر العنف و القسوة بين المعلمين و التلاميذ و العكس ( مخدرات، سرقات ، اعتداءات وتحرشات(.....) ..الخ، و نشير في هذا السياق انه لا يمكن أنة نعتبر مدرسة تحصل تلاميذها على أعلى المعدلات في آخر السنة على أنه مدرسة متفوقة و ناجحة، فكم من الحالات التي يتم الكشف عنها عن تلاميذ تفوقوا في دراستهم عن طريق "الغش" أو كما نسميه ( الكوبياج) دون أن يبذل التلميذ أدنى جهد فكري، و كم عدد حالات التفوق التي تمت عن طريق الرشاوى خاصة في امتحانات البكالويريا و هي بلا شك شهادات مشكوك في قيمتها، و هنا يبدو الأمر جد خطير لأن المسألة تتعلق بمستقبل أجيال، و لهذا يرى خبراء التربية أنه لابد أن يتوفر في المعلم شروط معينة ليكون ناجحا، أهم هذه الشروط أن يكون حائزا على شهادة مهنية في أصول التعليم و فنونه، كما يرى خبراء التربية أن الخبرة قد تفيد و لكنها ليست بالضرورة عاملا مساعدا، و يكفي أيضا أن نحصي عدد الإطارات التي تعيش البطالة بسبب عدم اكتسابها "الخبرة" رغم أنها من حملة الشهادات ، كما أن أغلبية المؤطرين التربويين التحقوا بمناصب عملهم دون تدريب مهني، أي أنهم رغم شهاداتهم مازالوا غير مؤهلين لتدريب النشء لاسيما في المرحلة "الابتدائية" باعتبارها مرحلة جد حساسة ، فيها يكتشف الطفل عالمه الخارجي الجديد و ينتقل جزئيا من عالمه الصغير الذي هو الأسرة ، و يتعرف على أشخاص جدد و يكون فيها صداقات و هنا يكون الطفل أكثر اضطرابا لأنها المرحلة التي تبدأ شخصته في التغيير.
ثانيا: نوعية التعليم
أما نوعية التعليم فهي تتعلق بـ: "المنهاج" و تعني عند خبراء التربية "الأطر الفكرية" التي ينشأ عليها التلاميذ أو الطالب فتتحد اهتماماتهم المدرسية و معاملاتهم الفكرية و الذهنية كما تحدد اتجاهاتهم الشخصية، خاصة في المرحلتين المتوسطة و الثانوية، فمن الأولى أي المتوسطة يبدأ اختيار التلميذ للعلوم التي يفجر فيها طاقاته و قدراته الفكرية، و تكون الفاصل في اختيار مستقبله العلمي ، و نشير هنا إلى أن ترك الحرية لتلميذ في اختيار الفرع الذي يناسب قدراته الفكرية مهم جدا في التحصيل العلمي المعرفي، أما إذا وجه التلميذ إلى فرع لا يرغب فيه بطريق إجبارية فهي قد تخلق له ما يسمى بـ: "اللاقابلية" للتعلم، و من اجل الحصول على علامات جيدة يكون التلميذ مجبرا على "الغش"، لأنه يدرك أن فشله سيعرضه إلى الطرد من المؤسسة و توبيخ الوالدين، كما أن الحجم الساعي لتدريس أكثر أهمية بالنسبة للتلميذ، لأن إعطاء فترة قصيرة للراحة عمال مهم جدا في استعادة التلميذ طاقته الفكرية بين مادة و أخرى، لأن حشو ذهن التلميذ بمعلومات مختلفة في مدة زمنية قصيرة قد تتعبه و تشعره بالملل..
يتساءل أهل الاختصاص عن المانع الذي يمنع أهل المنهاج التفكير في إدخال دروس اختيارية، أي أن يختار التلميذ أو الطالب المادة التي رغب فيها أو يميل إليها قبل ذهابه إلى الجامعة، و الاختيار كما يقول أهل الاختصاص فكرة" إنجلوسكسونية" لها عوامل عديدة في خلق التوافق بين المادة و التلميذ و بالتالي يخلق انسجام بن التلميذ و المعلم الذي يدرس هذه المادة، فكثير من الحالات نرى التلميذ الذي لا تعجبه مادة معينة يَصُبُّ غضبه على المعلم وتخلق بينهما كراهية و عداوة، و تجد التلميذ غالبا ما يردد بالقول : أنا أكره المعلم "فلان" و يصفه بشتى الأوصاف القبيحة ، و في الحقيقة هو يكره المادة التي يدرسها هذا المعلم، كما يتساءل أهل الاختصاص عن المانع من إدخال مادة السياسة و علم النفس و الاجتماع في المناهج الجديدة خاصة في الفرع ألأدبي حتى عندما ينتقل الطالب إلى الجامعة يكون مهيئا لها.
ثالثا:الكتاب المدرسي
و يلقى تأثير الكتاب في ذهنية التلميذ مدى بعيدا إذ ينظر إليه و إلى ما يحتويه منن صور و كلمات على انه الحقيقة الثابتة ، و الكتاب المدرسي بالنسبة للتلميذ كالمصحف بالنسبة لقارئ القرآن بنزل الكلمة المكتوبة منزلة رفيعة من الاحترام و التبجيل إلى درجة "القداسة"، فالكلمات التي يقرأها التلميذ في الكتاب المدرسي تنطبع في ذهنه و تصبح معياره في الحكم على ألأشياء و قد تتحول عنده إلى إيديولوجية عندما يكبر ، و لهذا يرى الخبراء أنه على واضعي الكتب المدرسية أن يربطوا بين ما يقرأه التلميذ و المحيط الذي يعيش فيه أي الواقع..
"قراءة" في كتاب "القراءة"
من خلال عناوين مجموعة من نصوص كتاب بعنوان " رياض النصوص" موجه لتلاميذ السنة الثالثة من التعليم الابتدائي عن الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية التي اطلعنا عليها و هي : ( التلميذة الجديدة ص 10، زيارة المكتبة الوطنية ص 14، في ورشة الرسم ص 18، التعاون في الأسرة ص 32، عفاف أم صغيرة ص 36، وليد يصوم لأول مرة ص 46و47، سروال علي ص 50و51، ديك العيد ص 54و55، ، مرض أمين ص 64، سليمان و الدواء الضار ص 68و69، بائعة الكبريت ج 1 ص 82و83 ، ج2 ص 86و87 ، السحابة المسافرة ص 100 و101، البط الصغير ص 104، قوس قزح ص 108، بين الماء و السماء ص 158 ( الوطن) ركزنا على مجموعة من الكلمات التي تثير انتباه التلميذ وهي مجرد عينة بسيطة للإطلاع على "الآثار" النفسية التي تتركها الكلمات في أذن الطفل و تطبعها في مخيلته و ذاكرته ، مثل كلمة ( شجرة، نبتة، أرض ،مكتبة، قلم، كراسة، خلية نحل، أسرة، الوطن، جميل ، قبيح، العمل، التضامن، زَرَعَ أو زَرْع، الجوع و غيرها من الكلمات..) بحيث لم تتكرر هذه الكلمات بالشكل الكافي، و من خلال القراءة السطحية لهذه النصوص نلاحظ تكرار اسم تلميذة واحدة وهي " سندس" في أول نص افتتح به الكتاب بعنوان " التلميذة الجديدة" الصفحة رقم 10 و هذا من شانه خلق نوع من التمييز بين التلاميذ و تفضيل الواحد عن الآخر، و في النص الثاني في الصفحة 14 زيارة المكتبة الوطنية لم يتم التفريق بين المكتبة العامة و المكتبة الوطنية و في نص بعنوان "مرض أمين" صفحة 64 وردت عبارة ( قسم الاستعجالات)، جاءت هذه العبارة في النص مفردة و في الصفحة التي تقابلها في خانة شرح المفردات جاءت في صيغة الجمع ، و في الصفحة 104 من نص بعنوان "البط الصغير" نلاحظ تناقض في شرح المفردات في كلمة "متحضرين" حيث تم شرحها في الصفحة المقابلة بمعنى "طيبون" غير أنه ثمة فرق بين مصطلح "الحضارة" و "الطيبة" ، فليس كل من هو طيب متحضر، و العكس كذلك..
في حين و بالرجوع التي الكلمات الواردة في هذه النصوص و التي تم إحصاؤها كما هو مبين في الجدول نجد عدم تكرار بعض الكلمات مثل الأرض، التي تعني "الانتماء" ، فقد ذكرت هذه الكلمة سوى مرتين، كذلك بالنسبة لكلمة " وطن" " الأسرة" وردت مرة واحدة في نص بعنوان "بين الماء و السماء" صفحة 158، أم بعض الكلمات فلم يرد ذكرها بتاتا مثل كلمة "نبتة" التي تعني أشياء كثيرة بالنسبة للتلميذ، (الخير، العطاء، الأمل و ما شابه ذلك..) و هي من دون شك تعكس (الشر، الكراهية، العداوة، و الأنانية و غير ذلك) ، كذلك لم نقرأ كلمة "تعاون" التي تعني التلاحم و التآزر و التضامن، كما نلاحظ غياب بعض الكلمات ذات المدلول الإيجابي مثل (اكتشف، اخترع، شجاعة، كما أن طبيعة ألأسئلة تبدو سطحية لا تثير ذهن التلميذ و تدفعه إلى الإجابة "الببغائية" ، فمثل هذه الكلمات و العبارات تلعب دورا كبيرا في نفسية التلميذ و تغذي فيه الكثير من الأشياء الجميلة، غير أن النصوص لا تخلو من العبارات الجميلة ، مثل تكرار كلمة جميل ، شجرة ، الشمس، لكن بعض الكلمات كان من الأحرى أن تكرر ، كما هو الشأن في كلمة قبيح ، و تكرار مثل هذه العبارات تدفع بالتلميذ "سيكولوجيا " إلى كره كل ما هو قبيح كذلك، و نشير هنا إلى أن "تزيين" الكلمات بأشياء جميلة قد تدخل الفرحة على التلميذ و هذا عامل نفسي من شانه يشجع التلميذ على الدراسة و تحببه فيها.
وإن استطاع النظام المدرس من خلق عالما خاصا بالطفل، يبقى هذا الأخير يعاني جملة من النقائص، أهمها عدم تشبع الطفل أو التلميذ من المبادئ و القيم الإنسانية و المثل التي ينبغي أن يتحلى بها بعد خروجه النهائي من المدرسة، أرقام كثيرة تشير إلى التسرب المدرسي، و هي ظاهرة لم تلق اهتماما كبيرا من طرف السيكولوجيين و المسئولين في القطاع التربوي، خاصة و في هذه الفترة يعيش التلميذ مرحلة المراهقة، و هي فترة حرجة تكون كل سلوكاته فاقدة للوعي، أين لا يفرق فيها بين المسموح و الممنوع، و بين الجائز و المحظور، يحدث هذا في الوقت الذي يكون فيه التكفل العائلي غائبا أو بالأحرى منعدما، أمام خروج المرأة لسوق العمل، أين يجد الطفل المتمدرس صعوبة في مده المساعدة التربوية في إنجاز واجباته المنزلية التي يطلبها منه المعلم مثلا، أو تلقينه طرق و أساليب حفظ الدروس، و كيفية تسطير برنامج تربوي خاصا به، و ما هي الأوقات المناسبة لمراجعة دروسه، أمام الانتشار الواسع لوسائل اللعب و اللهو، لاسيما الإنترنت، و في هذه الحالة يبقى الطفل المتمدرس دائما يبحث عن المساند و المرافق في رحلته التربوية..
إن ظهور ما يسمى بـسوق ثقافة الطفل، زاد من اتساع عدد المجلات المهتمة بعالم الطفل، حتى الصحف اليومية الناطقة بالعربية، خصصت لهذا المجال صفحات خاصة بالطفل ، و هذا لتزويد الطفل بكل المعارف و المعايير التربوية و الثقافية، ذلك في إطار ثقافة الطفل، و بذلك أصبحت هذه المراجع الإطار المكمل للمدرسة، خاصة و أنه لا يخلو بيت من البيوت إلا ويوجد فرد من أفراده يحمل في يده جريدة و هو عائد إلى بيته، هذه الأخيرة استطاعت أن تخلق بدورها نوعا من التقارب الثقافي بين الطفل و المدرسة، وربط العلاقات بين الأطفال من مختلف الأعمار و المناطق، مادام "لا شيء مستحيل تحت الشمس" كما تقول الحكمة
إعداد علجية عيش